أنا بيت الغربة ، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدود
أحدُ منازِلُ الآخرة المهولة
القَبر
فانّه في كل يوم يقول : أنا بيت الغربة ، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدود(1).
ولهذا المنزل عقبات صعبة جداً ، ومنازل ضيقة ومهولة ، ونحن نشير هنا
---------
(1) روى الكليني في الكافي : ج 3 ، ص 242 بالإسناد عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال : «انّ للقبر كلاماً في كل يوم يقول : أنا بيت الغربة ، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدود ، أنا القبر ، أنا روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران».
وروى أيضاً في ج 3 ، ص 241 ، بالإسناد عنه عليه السلام قال : «ما من موضع قبر إلاّ وهو ينطق كل يوم ثلاث مرّات : أنا بيت التراب ، أنا بيت البلاء ، أنا بيت الدود.
قال : فاذا دخله عبدٌ مؤمنٌ قال : مرحباً وأهلاً ، أما والله لقد كنت أحبّك وأنت تمشي على ظهري ، فكيف اذا دخلت بطني ، فسترى ذلك.
قال : فيفسح له مدّ البصر ، ويفتح له باب يرى مقعدة من الجنّة.
قال : ويخرج من ذلك رجل لم تر عيناه شيئاً قط أحسن منه فيقول : يا عبدالله ما رأيت شيئاً قط أحسن منك.
فيقول : أنا رأيك الحسن الذي كنت عليه ، وعملك الصالح الذي كنت تعمله.
قال : ثمّ تؤخذ روحه ، فتوضع في الجنّة حيث رأى منزله ، ثمّ يقال له : نَم قرير العين ، فلا يزال نفحة من باب الجنّة تصيب جسده يجد لذتها وطيبها حتّى يبعث.
قال : وإذا دخل الكافر ، قال : لا مرحباً بك ، ولا أهلاً ، اما والله لقد كنت ابغضك وأنت تمشي على ظهري ، فكيف اذا دخلت بطني سترى ذلك.
قال : فتضمَّ عليه ، فتجعله رميماً ، ويعاد كما كان ، ويفتح له باب الى النار فيرى مقعدة من النار ... الحديث».
---------
(الى عدّة عقبات منها :
العَقَبَةُ الأُولى
وحشةُ القبر
* في كتاب (من لا يحضره الفقيه) :
(وإذا حمل الميت الى قبره فلا يفاجأ به القبر لأنّ للقبر أهوالاً عظيمة . ويتعوذ حامله الله مِن هول المطلع . ويضعه قرب شفير القبر . ويصبر عليه هنيئة ثمّ يقدّمه قليلاً ويصبر عليه هنيئة ليأخذ اهبته ، ثمّ يقدمه الى شفير القبر)(1).
وقال المجلسي الأول في شرح هذا الحديث :
(ولو انّ الروح قد فارقت البدن ، وانّ الروح الحيوانية قد ماتت ، أما النفس الناطقة فحية . وانّ تعلقها بالبدن يزول على نحو الكلية . وانّ الخوف مِن ضغطة القبر وسؤال منكر ونكير ورومان «فتان القبور» ، والخوف من عذاب البرزخ موجود ليكن عبرة للآخرين ليفكروا انّ ذلك واقع بهم في المستقبل .
وفي حديث حسن(2) عن يونس قال : حديث سمعته عن أبي الحسن موسى عليه السلام ما ذكرته وأنا في بيت إلاّ ضاق عليّ . يقول : اذا أتيت بالميت الى شفير قبره فامهله ساعة ، فانّه يأخذ أهبته للسؤال(3)).
وروي عن البراء بن عازب ـ أحد الصحابة المعروفين قال :
بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله اذا بَصَرَ بجماعة فقال : علامَ اجتمع عليه هؤلاء ؟
------------
قيل : على قبر يحفرونه .
قال : ففزع رسول الله صلى الله عليه وآله ، فبدر بين يدي أصحابه مسرعاً حتّى انتهى الى القبر فجثا عليه.
قال : فاستقبلته من بين يديه لانظر ما يصنع . فبكى حتّى بلَّ الثَّرى من دموعه ، ثمّ اقبل علينا ، قال : أي اخواني لمثل اليوم اعدوا(1).
----------
ومما يناسب المقام ما رواه أحمد بن حنبل أيضاً عن البراء بن عازب انّه قال :
(خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله في جنازة رجل من الانصار ، فانتهينا الى القبر ولمّا يلحد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله ، وجلسنا حوله ، وكأنّ على رؤوسنا الطير ، وفي يده عود ينكت في الأرض فرفع رأسه ، فقال :
استعيذوا بالله من عذاب القبر . (مرّتين ، أو ثلاثاً) ثمّ قال :
إنّ العبد المؤمن اذا كان في انقطاع من الدنيا ، واقبال من الآخرة ، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنّة ، وحنوط من حنوط الجنّة ؛ حتّى يجلسوا منه مدّ البصر ، ثمّ يجيء ملك الموت عليه السلام حتّى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الطيبة اخرجي الى مغفرة من الله ، ورضوان.
قال : فتخرج تسيل ، كما تسيل القطرة من في السقاء ، فيأخذها . فإذا أخذها يدعوها في يده طرفة عين حتّى يأخذوها فيجعلونها في ذلك الكفن ، وفي ذلك الحنوط ، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض.
قال : فيصعدون بها ، فلا يمرون ـ يعني بها ـ على ملأ من الملائكة إلاّ قالوا : ما هذا الروح الطيب ؟
فيقولون : فلان ، بن فلان ؛ بأحسن اسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا.
حتّى ينتهوا بها الى السماء الدنيا ، فيستفتحون له ؛ فيفتح لهم ، فيشيعه من كل سماء مقربوها الى السماء التي تليها حتّى ينتهى به الى السماء السابعة ، فيقول الله عزّوجلّ اكتبوا كتاب عبدي في عليين ، واعيدوه الى الأرض ، فانّي منها خلقتهم وفيها اعيدهم ومنها اخرجهم تارة اُخرى.
قال : فتعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : مَن ربك ؟ فيقول ربّي الله . ç
-------
*ونقل الشيخ البهائي عن بعض الحكماء انّه رُئيَ في ساعة موته يتحسر ويتأسف.
فقيل له : ما هذا الذي يرى منك ؟
فقال : ما يُظَنُّ بِمَن يسافر سفراً بعيداً بدون زاد ولا مؤونة ، ويسكن في قبر موحش بلا مؤنس ، ويرد على حاكم عادل بدون حجّة ؟ !
* وروى القطب الراوندي أنّ عيسى نادى امه مريم عليهم السلام بعد ما دفنت فقال : يا امّاه هل تريدين أن ترجعي الى الدنيا ؟
قالت : نعم لأُصلي لله في ليلة شديدة البرد واصوم يوماً شديد الحر ، يا بني فانّ الطريق مخوف(1).
* وروي : انَّ فاطمة عليها السلام لمّا احتضرت أوصت علياً عليه السلام فقالت : «اذا أنا مت فتول أنت غسلي وجهزّني ، وصلّ عليَّ وانزلني قبري والحدني ، وسوّ التراب عليّ ، واجلس عند رأسي قبالة وجهي ، فأكثر من تلاوة القرآن والدعاء فانّها ساعة يحتاج الميت فيها الى أُنس الأحياء»..
__________
نسألكم الدعاء